يرسم يهييس ناردوس هاواز في مستهل التحليل صورة صراع معقد حول ميناء عَصَب الإريتري، حيث يبرز توتر غير مباشر تمارسه القاهرة إزاء أي اقتراب إثيوبي من البحر الأحمر، رغم غياب مصر كطرف مباشر في النزاع بين أديس أبابا وأسمرة. يرى الكاتب أن الموقع الاستراتيجي للميناء عند باب المندب يمنح القضية بعداً يتجاوز حدود القرن الأفريقي ليصل إلى توازنات التجارة العالمية وأمن قناة السويس.

 

يورد مودرن دبلوماسي تفاصيل سياق الأزمة، موضحاً أن إثيوبيا، التي تحولت إلى دولة حبيسة منذ استقلال إريتريا عام 1993، تسعى بإلحاح نحو منفذ بحري آمن، بينما تراقب القاهرة هذه التحركات بعين القلق، معتبرة أي حضور إثيوبي في عَصَب تهديداً مباشراً لدورها القيادي في أمن البحر الأحمر.

 

جذور النزاع حول ميناء عَصَب

 

يقع ميناء عَصَب في جنوب إريتريا على مضيق باب المندب، ويشكل تاريخياً البوابة البحرية الرئيسية لإثيوبيا قبل اندلاع حرب الحدود بين البلدين أواخر التسعينيات. بعد الحرب، تمنع أسمرة أديس أبابا من الوصول إلى الميناء، فتضطر الحكومة الإثيوبية للاعتماد على ميناء جيبوتي في أكثر من 95% من تجارتها، الأمر الذي يرفع الكلفة ويضاعف الهشاشة الاستراتيجية.

 

تصعّد حكومة آبي أحمد مؤخراً خطوات البحث عن منافذ بديلة، فتوقّع مذكرة تفاهم مع أرض الصومال بشأن ميناء بربرة وتسعى إلى ترتيبات بحرية متعددة، بينما يفسر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي هذه التحركات باعتبارها تهديداً مباشراً للسيادة الإريترية ولموازين النفوذ في البحر الأحمر.

 

الدور المصري بين المخاوف والتكتيك

 

تراقب القاهرة المشهد بدقة، وتعلن دعمها العلني للسيادة الإريترية، بينما تسعى عملياً إلى عرقلة أي ترسيخ للنفوذ الإثيوبي قرب باب المندب، الممر الذي ينافس قناة السويس في الأهمية التجارية العالمية. خلال الخلاف حول سد النهضة، تمارس مصر ضغوطاً دبلوماسية عبر اتفاقات ومناورات عسكرية مشتركة مع دول جوار، كما تعارض صفقات البحر التي تبرمها إثيوبيا مع أطراف إقليمية.

 

تشير القراءة إلى احتمالات لجوء مصر إلى أدوات غير مباشرة لزيادة الاحتكاك الإثيوبي الإريتري دون الانخراط في مواجهة مفتوحة، مثل تضخيم الخطاب حول الخطر الإثيوبي في البحر الأحمر، وتوظيف شبكة العلاقات الاستخباراتية والدبلوماسية لتشديد العزلة السياسية على أديس أبابا، إضافة إلى تفعيل منتديات البحر الأحمر التي تستبعد إثيوبيا وتحد من دورها التاريخي في المنطقة.

 

تداعيات إقليمية واحتمالات التصعيد

 

يعتمد الموقف المصري على إرث سياسي يضع القاهرة في موقع “حارس الاستقرار” في الشرق الأوسط والبحر الأحمر منذ عهد الديكتاتور جمال عبد الناصر وصولاً إلى رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي. ترتبط في الوعي الاستراتيجي المصري قضايا مياه النيل بهيمنة البحر الأحمر، ما يولد هاجس “الجبهة المزدوجة” أمام صعود إثيوبي يهدد المصالح المائية والبحرية معاً.

 

لا تستند هذه الاعتبارات إلى مطالب قانونية مباشرة في النزاع الإثيوبي الإريتري، لكنها تشكل قاعدة أيديولوجية لرفض أي وصول إثيوبي إلى البحر. تحذر القراءة من أن هذا المسار قد يدفع المنطقة نحو عسكرة متزايدة وضغوط اقتصادية وصراعات بالوكالة على أحد أهم الممرات البحرية العالمية.

 

يدعو التحليل إلى تبني مقاربة تعاونية تضع أمن البحر الأحمر في إطار شراكة إقليمية تدار بين الدول المعنية مباشرة، بدلاً من سياسة احتواء تنافسية تفتح جبهة صراع جديدة في القرن الأفريقي وتفاقم التوترات القائمة. يرى الكاتب أن الاستقرار الحقيقي يمر عبر حلول دبلوماسية متوازنة تحترم سيادة الدول وتخفف من سباق الهيمنة، حفاظاً على سلامة التجارة العالمية وأمن الممرات الحيوية.

 

https://moderndiplomacy.eu/2025/11/23/beyond-assab-how-a-regional-dispute-threatens-a-global-chokepoint/